مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَقَالُواْ لَوۡ كُنَّا نَسۡمَعُ أَوۡ نَعۡقِلُ مَا كُنَّا فِيٓ أَصۡحَٰبِ ٱلسَّعِيرِ} (10)

قوله تعالى : { وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير } هذا هو الكلام .

الثاني : مما حكاه الله تعالى عن الكفار جوابا للخزنة حين قالوا : { ألم يأتكم نذير } والمعنى لو كنا نسمع الإنذار سماع من كان طالبا للحق أو نعقله عقل من كان متأملا متفكرا لما كنا من أصحاب السعير ، وقيل : إنما جمع بين السمع والعقل ، لأن مدار التكليف على أدلة السمع والعقل ، وفي الآية مسائل :

المسألة الأولى : احتج أصحابنا بهذه الآية في مسألة الهدى والإضلال بأن قالوا لفظة لو تفيد امتناع الشيء لامتناع غيره فدلت الآية على أنه ما كان لهم سمع ولا عقل ، لكن لا شك أنهم كانوا ذوي أسماع وعقول صحيحة ، وأنهم ما كانوا صم الأسماع ولا مجانين ، فوجب أن يكون المراد أنه ما كان لهم سمع الهداية ولا عقل الهداية .

المسألة الثانية : احتج بهذه الآية من قال : الدين لا يتم إلا بالتعليم فقال : إنه قدم السمع على العقل تنبيها على أنه لا بد أولا من إرشاد المرشد وهداية الهادي ، ثم إنه يترتب عليه فهم المستجيب وتأمله فيما يلقيه المعلم ( والجواب ) : أنه إنما قدم السمع لأن المدعو إذا لقي الرسول فأول المراتب أنه يسمع كلامه ثم إنه يتفكر فيه ، فلما كان السمع مقدما بهذا السبب على التعقل والتفهم لا جرم قدم عليه في الذكر .

المسألة الثالثة : قال صاحب «الكشاف » : ومن بدع التفاسير أن المراد لو كنا على مذهب أصحاب الحديث أو على مذهب أصحاب الرأي ، ثم قال كأن هذه الآية نزلت بعد ظهور هذين المذهبين ، وكأن سائر أصحاب المذاهب والمجتهدين قد أنزل الله وعيدهم .

المسألة الرابعة : احتج من فضل السمع على البصر بهذه الآية ، وقالوا : دلت الآية على أن للسمع مدخلا في الخلاص عن النار والفوز بالجنة ، والبصر ليس كذلك ، فوجب أن يكون السمع أفضل .

واعلم أنه تعالى لما حكى عن الكفار هذا القول قال : { فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير } .