السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَإِنَّ ٱلۡجَنَّةَ هِيَ ٱلۡمَأۡوَىٰ} (41)

{ فإنّ الجنة } أي : البستان لكل ما يشتهى { هي } أي : خاصة { المأوى } أي : ليس له سواها مأوى ، وحاصل الجواب أنّ العاصي في النار والطائع في الجنة . قال الرازي : هذان الوصفان مضادان للوصفين المتقدّمين فقوله تعالى : { فأما من خاف مقام ربه } ضد قوله تعالى : { فأما من طغى } . { ونهى النفس عن الهوى } ضد قوله تعالى : { وآثر الحياة الدنيا } فكما دخل في ذينك الوصفين جميع القبائح دخل في هذين الوصفين جميع الطاعات . وقال عبد الله بن مسعود : أنتم في زمان يقود الحق الهوى ، وسيأتي زمان يقود الهوى الحق ، فتعوّذوا بالله من ذلك الزمان .

تنبيه : اختلف في سبب نزول هاتين الآيتين ، فقيل : نزلتا في مصعب بن عمير وأخيه . روى الضحاك عن ابن عباس قال : { أمّا من طغى } فهو أخو مصعب بن عمير أسر يوم بدر وأخذته الأنصار فقالوا : من أنت ، قال : أنا أخو مصعب بن عمير فلم يشدّوه في الوثاق وأكرموه وبيتوه عندهم فلما أصبحوا حدّثوا مصعب بن عمير حديثه ، فقال : ما هو لي بأخ شدّوا أسيركم ، فإنّ أمّه أكثر أهل البطحاء حلياً ومالاً ، فأوثقوه حتى تبعث أمّه فداءه ، { وأمّا من خاف مقام ربه } فمصعب بن عمير وقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه يوم أحد حين تفرق الناس عنه حتى نفذت المشاقص في جوفه ، والمشاقص جمع مشقص وهو السهم العريض ، فلما رآه صلى الله عليه وسلم متشحطاً في دمه قال صلى الله عليه وسلم «عند الله أحتسبك » وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه : «لقد رأيته وعليه بردان ما تعرف قيمتهما وإنّ شراك نعله من ذهب » وعن ابن عباس أيضاً : نزلت في رجلين أبي جهل بن هشام ومصعب بن عمير . وقال السدي : نزلت الآية الثانية في أبي بكر الصديق رضي الله عنه . وقال الكلبي : هما عامّتان .