السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{لَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مُعۡجِزِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَمَأۡوَىٰهُمُ ٱلنَّارُۖ وَلَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (57)

والفاعل في قوله تعالى : { لا تحسبن } ضمير المخاطب أي : لا تحسبن أيها المخاطب { الذين كفروا } أي : وإن ازدادت كثرتهم على العدِّ وتجاوزت عظمتهم الحدّ { معجزين } أي : لأهل ودنا ، وقيل : لنا { في الأرض } أي : فإنهم مأخوذون لا محالة ، وقرأ ابن عامر وحمزة ، بالياء على الغيبة قال النحاس : ما علمت أحداً من أهل العربية بصرياً ولا كوفياً إلا وهو يلحن قراءة حمزة فمنهم من يقول : هي لحن ؛ لأنه لم يأت إلا بمفعول واحد ليحسبن ، وأجيب عن ذلك من وجهين : أحدهما : أن المفعول الأول محذوف تقديره : ولا يحسبن الذين كفروا أنفسهم معجزين إلا أن حذف أحد المفعولين ضعيف عند البصريين ، ومنه قول عنترة :

ولقد نزلت فلا تظني غيره *** مني بمنزلة المحب المكرم

أي : فلا تظني غيره واقعاً .

والثاني : أن المفعولين هما قوله : { معجزين في الأرض } قاله الكوفيون ، وقرأ الباقون بالتاء على الخطاب ، وفتح السين ابن عامر وعاصم وحمزة ، وكسرها الباقون ، وقوله تعالى : { ومأواهم النار } أي : مسكنهم معطوف على لا تحسبن الذين كفروا معجزين ، كأنه قيل : الذين كفروا لا يفوتون أهل ودنا أو لا يفوتوننا ومأواهم النار المراد بهم المقسمون عليه بالله جهد أيمانهم ، ولما كانت سكنى الشيء لا تكون إلا بعد المصير إليه ، قال تعالى : { ولبئس المصير } أي : المرجع مصيرها ، فكيف إذا كان على وجه السكنى ؟