السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَلَمَّا رَءَا ٱلۡقَمَرَ بَازِغٗا قَالَ هَٰذَا رَبِّيۖ فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمۡ يَهۡدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلضَّآلِّينَ} (77)

{ فلما رأى القمر بازغاً } أي : مبتدئاً في الطلوع { قال هذا ربي } فأتبعه بصره { فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين } ، وقيل : إنه كان في السرب سبع سنين ، وقيل : ثلاث عشرة سنة ، وقيل : سبع عشرة سنة ، قال بعض أهل التفسير : فلما شبّ إبراهيم وهو في السرب قال لأمّه : من ربي ؟ قالت : أنا ، قال : فمن ربك ؟ قالت : أبوك قال : فمن رب أبي ؟ قالت : اسكت ، فسكت ثم رجعت إلى زوجها فقالت : الغلام الذي كنا نحدّث أنه يغير دين أهل الأرض فإنه ابنك ، ثم أخبرته بما قال فأتاه أبوه فقال له إبراهيم : يا أبتاه من ربي ؟ قال : أمّك ، قال : فمن رب أمّي ؟ قال : أنا ، قال : فمن ربك ؟ قال : نمروذ قال : فمن رب نمروذ ؟ فلطمه وقال : اسكت ، فلما أخرج من السرب وجنّ عليه الليل رأى المشتري قد طلع وقيل : الزهرة وكانت تلك الليلة في آخر الشهر فتأخر القمر فيها فرأى الكوكب فقال ذلك .

وهل ذلك جار على ظاهره أو مؤوّل جرى بعضهم على الأوّل ، وقال : كان إبراهيم مسترشداً طالباً للتوحيد حتى وفقه الله تعالى فلم يضره ذلك وأيضاً كان ذلك في طفوليته قبل قيام الحجة عليه فلم يكن كفراً والأصح الثاني إذ لا يجوز أن يكون لله تعالى رسول يأتي عليه وقت من الأوقات إلا وهو لله تعالى موحد وبه عارف ومن كل معبود سواه بريء ، ثم قال : في تأويله أوجه : أحدها وهو الأصح : أن إبراهيم ذكر ذلك على وجه الاحتجاج عليهم بقوله : هذا ربي أي : في زعمكم فلما غاب قال : لو كان إلهاً لما غاب كما قال تعالى : { ذق إنك أنت العزيز الكريم } ( الدخان ، 49 ) .

أي : عند نفسك وبزعمك وكما أخبر عن موسى أنه قال : { وانظر إلى إلهك } ( طه ، 97 ) .

أي : في زعمك فلما أفل قال : لا أحبّ الآفلين فضلاً عن عبادتهم فإنّ الانتقال والاحتجاج يقتضي الإمكان والحدوث وينافي الألوهية فلم ينجح فيهم ذلك { فلما رأى القمر بازغاً } قال لهم : هذا ربي فلما أفل أي : غاب قال : { لئن لم يهدني ربي } أي : يثبتني على الهدى لا إنه لم يكن مهتدياً والأنبياء لم يزالوا يسألون الله تعالى الثبات على الإيمان وكان إبراهيم عليه السلام يقول : واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام .